سورة الأنفال - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{إذ أنتم بالعدوة الدنيا} نزولٌ بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة، وعدوكم نزولٌ بشفير الوادي الأقصى إلى مكَّة {والركب} أبو سفيان وأصحابه، وهم أصحاب الإِبل. يعني: العير {أسفل منكم} إلى ساحل البحر {ولو تواعدتم} للقتال {لاختلفتم في الميعاد} لتأخَّرتم فنقضتم الميعاد لكثرتهم وقلَّتكم {ولكن} جمعكم الله من غير ميعاد {ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} في علمه وحكمه من نصر النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بيِّنة} أَيْ: فعل ذلك ليضلَّ ويكفر مَنْ كفر من بعد حجَّةٍ قامت عليه، وقطعت عذره، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، وأراد بالبيِّنة نصرة المؤمنين مع قلَّتهم على ذلك الجمع الكثير مع كثرتهم وشوكتهم {وإنَّ الله لسميع} لدعائكم {عليمٌ} بنيَّاتكم.
{إذ يريكهم الله في منامك} عينك، وهو موضع النَّوم {قليلاً} لتحتقروهم وتجترؤوا عليهم {ولو أراكهم كثيراً لفشلتهم} لجّبُنْتُم ولَتأخَّرتم عن حربهم {ولتنازعتم في الأمر} واختلفت كلمتكم {ولكنَّ الله سلَّم} عصمكم وسلَّمكم من المخالفة فيما بينكم {إنه عليم بذات الصدور} علم ما في صدوركم من اليقين ثمَّ خاطب المؤمنين جميعأً بهذا المعنى فقال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً} قال ابن مسعودٍ: لقد قُلَّلوا في أعيننا يوم بدرٍ حتى قلت لرجلٍ إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، وأسرنا رجلاً فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفاً. {ويقللكم في أعينهم} ليجترئوا عليكم ولا يراجعوا عن قتالكم {ليقضي الله أمراً كان مفعولاً} في علمه بنصر الإسلام وأهله، وذلِّ الشِّرك وأهله {وإلى الله ترجع الأمور} وبعد هذا إليَّ مصيركم، فأكرم أوليائي، وأعاقب أَعدائي.


{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} جماعةً كافرةً {فاثبتوا} لقتالهم ولا تنهزموا {واذكروا الله كثيراً} ادعوه بالنَّصر عليهم {لعلكم تفلحون} كي تسعدوا وتبقوا في الجنة، فإنَّهما خصلتان؛ إمَّا الغنيمة؛ وإمَّا الشَّهادة.
{وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا} ولا تختلفوا {فتفشلوا} تجبنوا {وتذهب ريحكم} جَلَدكم وجرأتكم ودولتكم.
{ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم} يعني: النَّفير {بطراً} طُغياناً في النِّعمة، للجميل مع إبطان القبيح {ويصدون عن سبيل الله} لمعاداة المؤمنين وقتالهم {والله بما يعملون محيط} عالم فيجازيهم به.
{وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم...} الآية. وذلك أنَّ قريشاً لمَّا أجمعت المسير خافت كنانة وبني مدلج لطوائلَ كانت بينهم، فتبدَّى لهم إبليس في جنده على صورة سُراقة بن مالك بن جعشم الكنانيِّ ثمَّ المدلجيِّ، فقالوا له: نحنُ نريد قتال هذا الرَّجل، ونخاف من قومك، فقال لهم: أنا جارٌ لكم، أَيْ: حافظٌ من قومي، فلا غالب لكم اليوم من النَّاس {فلما تراءت الفئتان} التقى الجمعان {نكص على عقبيه} رجع مولياً، فقيل له: يا سراقة، أفراراً من غير قتال؟! فقال: {إني أرى ما لا ترون} وذلك أنَّه رأى جبريل مع الملائكة جاؤوا لنصر المؤمنين {إني أخاف الله} أن يهلكني فيمن يهلك {والله شديد العقاب}.


{إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} وهم قومٌ أسلموا بمكة ولم يهاجروا، فلمَّا خرجت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا معهم، وقالوا: نكون مع أكثر الفئتين، فلمَّا رأوا قلَّة المسلمين قالوا: {غرَّ هؤلاء دينهم} إذ خرجوا مع قلَّتهم يقاتلون الجمع الكثير، ثمَّ قُتلوا جميعاً مع المشركين. قال الله تعالى: {ومَنْ يتوكل على الله} يُسلم أمره إلى الله {فإنَّ الله عزيز} قويٌّ منيع {حكيم} في خلقه.
{ولو ترى} يا محمَّد {إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} يأخذون أرواحهم. يعني: مَنْ قُتلوا ببدرٍ {يضربون وجوههم وأدبارهم} مقاديمهم إذا أقبلوا إلى المسلمين، ومآخيرهم إذا ولًّوا {وذوقوا} أَيْ: ويقولون لهم بعد الموت: ذوقوا بعد الموت {عذاب الحريق}.
{ذلك} أَيْ: هذا العذاب {بما قدَّمت أيديكم} بما كسبتم وجنيتم {وأنَّ الله ليس بظلام للعبيد} لأنَّه حكم فيما يقضي.
{كدأب آل فرعون...} الآية. يريد: عادة هؤلاء في التَّكذيب كعادة آل فرعون، فأنزل الله تعالى بهم عقوبته، كما أنزل بآل فرعون {إنَّ الله قويٌّ} قادرٌ لا يغلبه شيء {شديد العقاب} لمَنْ كفر به وكذَّب رسله.
{ذلك بأنَّ الله...} الآية. إنَّ الله تعالى أطعم أهل مكَّة من جوعٍ، وآمنهم من خوف، وبعث إليهم محمداً رسولاً، وكان هذا كلُّه ممَّا أنعم عليهم، ولم يكن يُغيِّر عليهم لو لم يُغيِّروا هم، وتغييرهم كفرهم بها وتركهم شكرها، فلمَّا غيَّروا ذلك غيَّر الله ما بهم، فسلبهم النِّعمة وأخذهم، ثمَّ نزل في يهود قريظة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6